تعلمت مؤخرا أن السعادة أهم من المعرفة، فالسعادة في البساطة والطيبة والنبل والفطرة وهذا ما تفتقده المجتمعات الحديثة.
ارتباطي بهذه المعاني إدراك في أن سعادتي لا يمكن استجلابها من خارج احتياجاتي الإنسانية، الحب، المنح العطاء الكرم إسعاد الآخرين، التأمل في حياتهم وافراحهم وأحزانهم ويومياتهم في الإخفاق والنجاح والفشل، وأن المعاني العظيمة قد تكون تائهة في ظلمة الأحياء المنسية.
حاول شاب في مسلسل أوزارك مساعدة فتاة على حمل بعض الصناديق إلى المخزن، اعترضت الفتاة، فقال الشباب: أردت أن أكون شهما.
فقالت الفتاة: ألا تعرف أن الشهامة أصبحت شيئا من الماضي، جملة الفتاة السابقة تلخص التاريخ الأخلاقي لأوروبا الحديث.
انتهت الشهامة لدى المجتمعات الأوروبية وأصبح ينظر لها إلى جانب بعض الصفات الإنسانية الأخرى كأحد رواسب الماضي التي لا تناسب حياة الحضارة الجديدة ولا الإنسان في شكله الجديد.
الإنسان الذي حلم به نيتشه بدأ يتجسد. الحضارة الجديدة فيها الانفتاح الجنسي لكن الشهامة ليست إحدى مفرداتها، وفي ثلاثينيات القرن الماضي كتب فرويد أنه لا يمكن تصور قيام حضارة دون أن تحمل شروط تلبية الرغبة الجنسية وعدم وضع أي قيود على الحياة الجنسية.
ليست الشهامة فحسب من انتهت، انتهت الكثير من الأخلاق التي نعتقد أنها لا زالت إحدى مميزاتنا نحن العرب. لا معنى لكلمة الكرم اليوم لدى المجتمعات الأوروبية، لا معنى لشيء اسمه العفة، لا معنى للحياء والخجل، وكل هذه الصفات الأخلاقية إنما هي صفات مرتبطة بالشعوب البدائية حسب رؤيتهم، مرتبطة بالإنسان الأول، الإنسان القديم الذي لم يعرف بعد الحضارة الحديثة.
أما الشعر العربي الممتلئ بهذه المعاني فإنه ليس له مكان هو الآخر، وما كان مفخرة له في السابق قد لا يكون الآن.